في مثل هذا اليوم... "مجزرة المدفعية": الشرارة التي أشعلت نيران الدم بين النظام والإخوان في سوريا
متل اليوم ب 16 حزيران/ يونيو 1979
قام الضابط المناوب ( ضابط التوجيه المعنوي والسياسي بمدرسة المدفعية في منطقة الراموسة بحلب) النقيب إبراهيم اليوسف ومجموعة من مقاتلي الطليعة المقاتلة (أدخلهم بسيارة زيل مغطاة و ببدلات عسكرية بعد ان اعطاهم كلمة السر و على رأسهم عدنان عقلة) بتنفيذ مجزرة بطلاب ضباط من الطائفة العلوية
خلفت المجزرة 32 قتيلاً و 54 جريحاً حسب الرواية الرسمية السورية.
رغم أن العملية كانت طائفية حتى النخاع و استهدفت طلاب ضباط من العلويين، إلا أن الاعلام الرسمي صرح على لسان وزير الإعلام السوري أحمد اسكندر أحمد بأن من بين الضحايا مسيحيين ومسلمين سنة نافيا أن تكون عملية طائفية.
وزير الداخلية السوري أبن مدينة حلب عدنان الدباغ أتهم في بيان رسمي صدر في 22 يونيو (حزيران) 1979 الإخوان المسلمين بالتورط في الاغتيالات، كما أوحى بوجود علاقة مباشرة بين الإغتيالات والمعارضة الخارجية لرفض سوريا فكرة اتفاقية جزئية مع اسرائيل مماثلة لتلك التي أقبل عليها الرئيس المصري السادات. أما الأخوان المسلمون فأنكروا اي علاقة لهم بالعملية.
في وقائع المجزرة
عند السابعة والنصف مساءا, امتلأت قاعة الندوة في مدرسة المدفعية، بقرابة 300 طالب. اجتمعوا بناء على أوامر الضابط المناوب ابراهيم اليوسف، بذريعة أن إجتماعا شاملا مع مدير الكلية العسكرية سيتم في الصالة الرئيسية، وأنهم سيزودون هناك بتعليمات هامة.
في القاعة المكتظة فوجئ الضباط الشبان بعد دقائق بمجموعة من الرجال الغرباء عن المدرسة موزعين على نوافذ القاعة، ويغلقون الأبواب. كان هؤلاء يرتدون أزياء عسكرية، ويحملون رشاشات بأيديهم. هنالك برز النقيب إبراهيم اليوسف للطلبة، حاملا رشاشه أمام سبّورة الصالة، وقرّب ميكرفونا إلى فمه، وبدأ يخطب خطبة هاجم فيها العلويين والنظام وذكر بأنه ورفاقه (من جماعة مروان حديد, الأخوان المسلمين) كما تروي زوجته عزيزة جلود. ثم أخرج من جيبه ورقة حضّرها من قبل، وفيها قائمة أسماء محددة، وأعلن أن من سيُذكر إسمه فعليه أن يغادر القاعة. وبالفعل انسحب من قاعة الندوة، كثير من الطلبة الذين شملهم «العفو الطائفي»! إلاّ أنّ الضابطين محسن عامر (درزي) ومحمد عدوية (سنّي) رفضا الخروج من المكان، على الرغم من إذاعة اسميهما احتجاجا على سلوك اليوسف بالفرز الطائفي
كان رفاق اليوسف الذين ادخلهم اليوسف إلى المدرسة أحد عشر فردا، وهم: حسني عابو (قائد تنظيم الطليعة المقاتلة في حلب)، وعدنان عقلة (نائب عابو)، وزهير زقلوطة، ورامز عيسى، وأيمن الخطيب، ومصطفى قصار، وماهر عطار، وعادل دلّال (من أعضاء الجماعة المسلحة) إضافة إلى النقيب إبراهيم يوسف، والطالبان في المدرسة يحيى كامل النجار، وماني محمود الخلف.
في البداية و بينما كان اليوسف قد انتهى من اذاعة الاسماء و شعور الطلاب بالخطر أقدم الطالب الضابط سليمان رشيد اسماعيل على مهاجمة أحد المهاجمين، محاولا افتكاك بندقيته منه، ولكن المحاولة الجريئة سرعان ما أودت بحياة صاحبها. وحين أخذ الطلاب في الهياج، أمسك إبراهيم اليوسف رشاشه الحربي، وأخذ يطلق النار بغزارة على الطلاب انطلقت بعدها النيران من النوافذ و الفتحات باتجاه الطلاب.
ساد في المكان هرج كبير، وحاول الكثيرون أن يكسروا الأبواب او ان يستخدموا النوافذ للإفلات بأرواحهم، لكن الرصاص والقنابل كانت لهم بالمرصاد زاد في الأمر سوأ زجاجات الكازوز التي كانت في صناديق داخل قاعة الندوة والتي تحولت إلى قنابل من الزجاج .
عندما انتهى الهجوم لم ينس المهاجمون أن يتركوا على سبورة قاعة المذبحة توقيعهم «جماعة مروان حديد,الأخوان المسلمين».
بعد ذلك قام المهاجمون باقتحام مخازن السلاح وملء عربتهم بالاسلحة ثم قاموا بحرق المقسم الالي و لم يأخذ كل ذلك أكثر من عشرة دقائق قبل مغادرتهم المدرسة. اضطر أحد الضباط إلى استخدام الإذاعة الداخلية للمدرسة طلبا للنجدة ولم تعلم السلطات بالحادثة الا بعد ساعتين من وقوعها.
يقول ابراهيم اليوسف في احدى المقابلات التي اجريت معه (أن تخطيط العملية تم على عجل نظراً لاقتراب تخرج دورة الصف المتقدم فبعد إجراء الخطة المتفق عليها تم تقسيم المجاهدين إلى خمس مجوعات:
- المجموعة الأولى مهمتها اقتحام الندوة وضرب الطلاب الضباط, المجموعة الثانية ومهمتها احتلال المحارس, المجموعة الثالثة ومهمتها ضرب الضباط (النصيريين) في دورة قائد كتيبة وتعدادهم 16 ضابطاً نصيرياً من أصل 20 بين مقدم ورائد, المجموعة الرابعة ومهمتها مهاجمة المسبح وكان فيه العميد عساف عيسى مع بعض الضباط النصيريين, المجموعة الخامسة ومهمتها احتلال المقسم وإضرام النار فيه بعد إخراج العناصر واحتلال الإذاعة التابعة للكلية ووضع شريط مسجل فيه بيان معد مسبقاً يبين أهداف العملية. إلا أن ضباط دورة (قائد كتيبة) كانوا في إجازة أثناء ذلك ولم تلتحق حتى ساعة التنفيذ، أما العميد عساف فقد غادر المعسكر قبل تنفيذ العملية بنصف ساعة. ولقد تمت العملية بعد أن تم فرز الطلاب النصيريين فقط ثم انسحب الإخوة إلى قواعدهم سالمين بعد أن أدت كل مجموعة مهمتها على أكمل وجه. (انتهى كلام اليوسف)
نفى الإخوان المسلمون أي علم أو صلة لهم بهذه المجزرة في بيان وزعوه بتاريخ 24/6/1979 بعنوان ” بيان من الإخوان المسلمين للواقع والتاريخ حول حادثة مدرسة المدفعية بحلب و كان بيانهم ردا على اتهام وزير الداخلية وتحدى الإخوان في نفس البيان السلطة في سورية أن تثبت أي صلة لهم بأعمال العنف.
كرر المراقب العام للإخوان المسلمين علي صدر الدين البيانوني في برنامج بلا حدود الذي بثته قناة الجزيرة بتاريخ 7 / 7 / 1999 دفاعه عن الإخوان بقوله: ( حملتنا –السلطة السورية- مسئولية أحداث لا علاقة لنا بها ، مدرسة المدفعية، رغم أننا أصدرنا بيانا يوضح ذلك . أما الذين نفذوها تركوا بياناتهم.)
نفى حسني عابو –مسئول الطليعة المقاتلة في حلب الذي اعتقل بعيد المجزرة وأعدم في السجن – في لقاء متلفز أجراه معه التلفزيون العربي السوري في السجن بعد اعتقاله عام 1980،أن يكون قد وافق على هذه العملية، ويذكر أن عبد الستار الزعيم الذي قتلته السلطة عام1979 قد تحفظ على فكرتها، وهو الذي آلت إليه قيادة الطليعة بعد مروان حديد الذي قتل في السجن عام 1975. بينما أصر عدنان عقلة على إنفاذها ، وقام بالتخطيط لها ونفذها بالتعاون مع النقيب إبراهيم اليوسف و شاعت تكهنات أن العملية هي ثمرة تنسيق بين النظام العراقي و ابراهيم اليوسف عبر عدنان العقلة الذي كان على تواصل مع المخابرات العراقية .. فقد كان حافظ الأسد أثناء العملية في بغداد من أجل مباحثات الاتحاد مع العراق في ظل رفض صدام حسين لهذا الاتحاد.
فور وقوع المذبحة انطلقت حملة بطول البلاد و عرضها لاستئصال تنظيم الأخوان المسلمين بدأت باعدام 15 عضو بالتنظيم بناءا على قرار محكمة أمن الدولة العليا في 27 حزيران 1979.ودخلت البلاد دوامة عنف و مجازر و اغتيالات و اعتقالات تركت جرحا عميقا و ذاكرة سورية مريرة.
رأي شخصي
أن حادثة من هذا النوع لايمكن أن تمر مرور الكرام عند قراءة التاريخ السوري المعاصر بل يجب قراءتها و فهمها من زاوية الهوة المجتمعية بين مكونات الشعب السوري فهي تختزل الكثير من الأوجاع التي عانى منها السوريين طويلا أن وصول حافظ الاسد إلى السلطة وهو المنتمي إلى المكون العلوي (الأقلوي) أحدث خللا في المجتمع السوري زاده سوأ سعي الاسد نفسه لللسيطرة على المجتمع السوري بطرق شتى فصنع داخل سوريا مجموعة كيانات يخشى كل منها الأخر...هذه الكيانات لاتنقسم طائفيا فقط بل طبقيا فابراهيم اليوسف العضو عامل في حزب البعث هو من مفرزات المجتمع الريفي الذي هزم المدينة في الثامن من اذار واتيح له الدخول إلى الحزب والجيش هو من الطبقة الكادحة و الذي طغى لديه مع الوقت الشعور الطائفي فقتل افراد من ذات الطبقة التي اظهرتها إلى العلن ثورة البعث وهنا انشقت الطبقة الكادحة الريفية على نفسها و تحولت في مناخ كان يسود البلاد الى حالة طائفية بلغت ذروتها و أشعلت جدلا في المجتمع السوري و تركت بامقابل صدى مريح لدى فئة واسعة من أبناء الطائفة السنية.
مشكلة حادثة المدفعية و اهميتها انها شرعت بوابة الدّم و القتل الجماعي و كانت مبرر قوي لمجرمين امثال شفيق فياض و رفعت الأسد وهاشم معلا للانتقام بطرق أقسى و أشد و أكثر دموية و تأديب مدينة حلب تحديدا والتي وقفت مع ثورة الإخوان المسلمين وقدمت عدد كبير من أبنائها ماجعلها محط اهتمام نظام الأسد الذي عمل بكل ما أوتي من جهد على ترويضها فتحولت خلال سنوات بعد احداث الإخوان إلى مدينة مختلفة كليا و هذا مابدا ملموسا في برودة التفاعل مع الثورة السورية ..
حادثة المدفعية يجب ان تدخل المناهج الدراسة عند تشكل دولة تؤمن بالتعددية والمواطنة لتكون درس للأجيال القادمة بأن الدم لا يأتي الا بالدم و العنف لا يولد الا العنف.
مصادر:
-الصراع على السلطة في سوريا ل نيكولاس فاندام
-ابراهيم اليوسف صفحات من تاريخ الطليعة المقاتلة في سورية ل عزيزة جلود
-سنوات المجازر المرعبة ل عدنان سعد الدين
-مصطفى طلاس مرأة حياتي
تعليقات
إرسال تعليق